I.تقديم:
|
لم يتوقف التجديد في القصيدة العربية الحديثة عند مستوى الهيكل والشكل فقط ، وزإنما تجاوز ذلك بكثير، حيث أضحت القصيدة رؤيا تتجاوز كل التعاريف السالفة ، وقد عرف ذلك بتجديد الرؤيا وهي حركة أدبية نقدية اهتمت بالشعر تنظيرا وإبداعا ، وظهرت على يد مجموعة من الرواد أمثال المجطي وأدونيس والسياب ويوسف الخال صاحب النص الذي بين أيدينا -فما مضامين القصيدة قيد الدراسة؟ -وما الرموز التي توسلها الشاعر فيها ؟ -وإلى أي حدّ تجسد خصائص خطاب تجديد الرؤيا ؟ |
|
II.الملاحظة: |
|
1- عنوان النص: بإلقائنا نظرة على النص يتضح أنه جاء جملة اسمية مركبة من كلمتين، توحي الأولى على معان عدة كالحياة ، الستر ،الإخفاء، فيما توحي الثانية على البعد والنأي السّطر32و38و41: توحي هذه الأسطر المعركة التي يصر إبراهيم فيها على مواجهة العدو رغم ترسانته وعتاده ، بينما يتراجع الناس خائفين من الموت 2- فرضية النص: انطلاقا من المؤشرات السابقة (العنوان والأسطر)يمكننا أن نفترض ان الشاعر سيتحدث عن مأساة في قلب التحدّي. III.الفهم: |
|
-يبدأ الشاعر قصيدته بالإشارة إلى العلاقة الحميمة التي تربطه بإبراهيم الشخصية المحورية في القصيدة، ثم يبرز تضحيتها من أجل الآخرين بمنح الحياة لهم، وذلك بتعريض نفسه للموت ومواجهة الأعداء رغم ترسانته غير أن فعله هذا لم يلقى استحسان الناس بل جرّ عليه وابل من السخرية ، واتهموه بالجنون، وفي ذلك استلهام لشخصية النبي إبراهيم عليه السلام الذي صدّق رؤياه في المنام فأراد ذبح ابنه اسماعيل غير أنه افتدي بذبح عظيم. IV.التحليل: 1- معجم القصيدة: |
|
يمكن توزيع النص إلى حقلين دلالين بارزين هما : - حقل الحياة: البئر ، يفيض ماؤها، تبرعم الغصون ، ينعقد الثمر ، يطلع النبات - حقل الموت: لا تشرب منها، في سئارية الضياء من حديد، الرصاص ، الرّدى ، قوافل الضحايا يهيمن حقل الحياة في القصيدة ، ويعكس ذلك رغبة الشاعر وإصراره في بعث الحياة من جديد رغم صعوبة ذلك عن طريق مواجهة الموت.
2- البنية الايقاعية:
وإذا ولينا وجهنا شطر الإيقاع ألفينا الشاعر قد كسرت بنية القصيدة العمودية إذ تخلى عن نظام الشطرين معتمدة نظام الأسطر الشعرية المتفاوتة طولا وقصرا وقد نظمت على تفعيلة الرجز (مستفعلن) وأدخلت عليها مجموعة من التغييرات كالخبن والطي ومعتمدة التدوير وهو اشتراك سطرين في تفعيلة واحدة كما هم في السطر الأول والثاني، واللافت للانتباه أنها عمدت إلى التنويع في حرف الروي والقافية التي جاءت متتالية.. ولافت للانتباه أن الشاعر أيضا جعل قصيدته أجزاء ومقاطع فصلت بينها فراغات ، ونعرف أن السطر الشعري إذا تجاوز أكثر من تسع تفعيلات صار جملة شعرية وقد أورد الشاعر مجموعة من الجمل الشعرية مثل المقطع الممتد من السطر 13 إلى السطر 21 وهي جملة شعرية عدد تفعيلاتها يفوق الستة عشرة تفعيلة وهي جملة شعرية طويلة
أما من الناحية الداخلية فالإيقاع جاء متمثلا في التكرار، بتكرار بعض الأصوات كالرّاء، والكلمات إبراهيم ، حجر ، بئر... والازمة الكلامية السطر 1و2و3و4و5 و قد أسهمت كل هذه العناصر مجتمعة في منح القصيدة نغما موسيقيا حزينا يتلاءم مع طابع المأساة.
3- الصور الشعرية: وبالتعريج على الصور الشعرية يتبين أن الشاعر أكساها بما هو معجز تارة وبما هو مألوف تارة اخرى فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول صوّب العدو مدفع الرّدى ، فمن غبر المعقول أن يكون المدفع مدفع الموت وإنما الموت ناتج عنه وقوله تبرعم الغصون في الخريف فالخريف فصل تسقط فيه الأشجار أوراقها غير أن الشاعر جعله فصل للتبرعم ، ومن تم ينكشف ما فيها من انزياح نوالصورة الشعرية عموما قد جعلها الخال مطية للعبير عن تجربة إنسانية مفادها التضحية من أجل الآخرين والمثير للانتباه أن النص زاخر بالرموز، ولكن يبقى إبراهيم الرمز الأبرز وعليه مدار القصيدة وفي ذلك استلهام لقصة إبراهيم عليه السلام بالإضافة إلى الخاطئ الاصيب بالعمى (أوديب) رمزلكل مرتكب للمحرّم والبئر رمزا لكل من يسعى إلى بعث الحياة من ركام، فالشاعر حوّل الواقع إلى رموز سوى أنه عبر الممكن فيه وليس الكائن وبانتقالنا للدراسة الأسلوبية ، يتبدّى أن الشاعر قد استعمل أسلوب التمني في قوله: لو كان لي والاستفهام في قوله أيأكل الفقير خبز يومه بعرق الجبين؟ ويدل ذلك على رغبة إبراهيم في تغييرالواقع ونشدان حياة أفضل.
V. تركيب: |
|
عودا على بدء نقول إن الشاعريوسف الخال قد عبر عن تجربة المأساة في قلب التحدّي واستلهم لأجل ذلك قصّة إبراهيم عليه السلام ومعتمدا على مجموعة من الرموز كالخروف والبئر ناظما قصيدته على تفعيلة الرجز (مستفعلن) وفقا لروي وقافية متنوعة، راكبا مجموعة من الصور الشعرية ومعبرا من خلالها على تجربة إنسانية عميقة ، فهو بذلك كثّف خصائص تجديد الرؤيا |