I-تقديم:
شهد الشعر العربي تطورا كبيرا خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبعد الهزيمة المدلة بضياع فلسطين1948 مما جعل العرب يراجعون أفكارهم وأذواقهم، وفي ظل هذه المستجدات ظهرت قصيدة التفعيلة بالعراق على يد نازك الملائكة ،وسميت بذلك لكونها استبدلت نظام الشطرين المتناظرين بالسطر الشعري ، واهتمت قصيدة التفعيلة بقضايا الإنسان الوطن المدينة فإلى أي حد تمثل قصيدة "مدينة عارية" هذا النمط الشعري؟
II-الملاحظة:
عنوان النص:
من حيث التركيب: عبارة عن مركب اسمي،ومن حيث الدلالة يوحي بمكان محدد وهو المدينة وقد وصف بالعري .
السطر السادس
يوحي البيت بأحاسيس رهيبة ومنفرة
شكل النص وبنيته:
القصيدة عبارة عن أسطر متفاوتة الطول و القصر
فرضية النص:
من خلال المؤشرات النص يمكن أن نفترض:
- أن النص قصيدة تنتمي إلى شعر التفعيلة.
-أن القصيدة ستتحدث عن مكان عار من الفرح والطمأنينة
-أن القصيدة ستكشف عما يعانيه عالم المدينة من حزن وضياع. III-الفهم:
استهل الشاعر قصيدته بتوضيح حالة المدينة بعدما انكشف عنها الليل واتضح وجهها الحقيقي بظهور أصحاب النفوذ وعملائهم الظلمة الذين استباحوا الجور لأنفسهم، ثم بين موقع الإنسان فيها إذ لا تعدو أن تكون فيمته كقيمة الطابع البريدي ، وبين كذلك ما تعانيه الطفولة من ضياع، مسترسلا في فضح ذلك الواقع المرير الذي وصل فيه الانحطاط أن يعرض البشر كما تعرض الأشياء كأنه دمية لا تساوي شيئا ، راسما صورة تموت فيها حتى الحدائق التي هجرها الطير، منهيا قصيدته بحلول الليل من جديد ومعه عودة الإشراقة الزائفة.
IV-التحليل:
1- معجم القصيدة:
- الوجه الإيجابي للمدينة: ابتسمت / اشرقت الصفاء
- الوجه السلبي للمدينة: تأوهت تعرت ،الحزينة،الساسة اللصوص، المشانق،السجون، الدم الجريمة، المزابل، السواد الضياع، القديد...
بينهما علاقة صراع وتنافر فالمدينة تخفي قبحها في المساء لتبديه في النهار.
2)الصور الشعرية:
امتطى الشاعر مجموعة من الصور الشعرية في حديثه عن الواقع المزري الذي يكابد فيه الإنسان الضياع واليتم والاقتيات من المزابل( الأسطر من 12 إلى 16)، والذي فقد فيه الإنسان كرامته وقيمته داخل فضاءات المدينة إذ لا يعدو أن يكون طابعا بريديا السطر (8). وقد أدت هذه الصور وظيفين اثنتين هما:
- تعبيرية: نقلت إحساس الشاعر.
- إيحائية: عبرت عن واقع المدينة المزري.
3)الرمز:
الرمز قناع فني يتوسل به الشاعر الحديث لصياغة تجربته الشعرية ، ويتميز بخروج الكلمة عن معناها المألوف . وقد وظفه الشاعر في قصيدته بشكل مكثف ، ونذكر على سبيل المثال:
-المشانق: الموت، الظلم، الإعدام
-الدم: الجريمة، القتل
-علب الكبريت: الحرق، الدمار، الحرب...
4)اللغة:
زواج الشاعر في قصيدته بين اللغة الإيحاية (التصويرية) واللغة التقريرية المباشرة، ومما يدل على الأولى قوله:
رأيت في عيونها الحزينة
حدائق الرماد
ومما يدل على الثانية:
رأيت الدم والجريمة
وعلب الكبريت والقديد
(5السطر الشعري:
السطر الشعري هو بنية إيقاعية يوازي البيت في قصيدة الشعر العمودي، ويطول أو يقصر حسب الدفقة الشعورية مما يؤثر على عدد التفاعيل في كل سطر ويمكن بيان ذلك من خلال السطرين الآتيين:
مبادل الساسة واللصوص والبيادق
//0//0 /0///0 //0//0 //0/0
مفاعلن مفتعلن مفاعلن فعولن
تأوهت
//0//0
(6الغموض:
يجنح شعراء الحداثة إلى الغموض حتى جعلوها سمة دالة على قصيدة التفعيلة، ويمكن كشف ذلك من خلال السطر 20و 21
رأيت في عيونها الحزينة
حدائق الرماد
ليتآلف الشكل والمضمون للإيحاء بالعمق المأساوي للمدينة الذي انتفت فية الكرامة الإنسانية.
(7الإيقاع:
اتسمت قصيدة التفعيلة بخرق النظام العروضيي الخليلي ، حيث تحرر الشاعر من الشطرين المتناظرين بالسطر الشعري ، كما تحرر من القافية الموحدة والروي الموحد إلى القافية المتعددة والروي المتنوع. v- تركيب:
بناء على ما سبق نقول إن نص "مدينة عارية" للشاعر الكبير عبد الوهاب البياتي نموذج جسد الاتجاه الحداثي في الشعر العربي الذي ثار ضد الأقانيم التي حكمت وسيجت القصيدة العربية منذ أمد بعيد ، وذلك بإحلال السطر الشعري محل البيت ذي الشطرين المتناظرين وإبدال القافية والروي الموحدين بالقافية المتعددة والروي المتنوع، وهو ما أضفى على القصيدة شكلا متميزا, كما عمد إلى شحنها بالصور الإيحائية والرموز وفق لغة غامضة . وبذلك تكون قصيدته أنموذجا يلخص شعر التفعيلة.