recent
أخبار ساخنة

ثنائية المغلق والمفتوح لكمال أبو ديب

 


تتعدد مناهج النقد الأدبي بتعدد زوايا النظر والمرجعيات التي ينطلق منها كل ناقد في مقاربته للنص الأدبي وهذا ما جعل الخطاب النقدي يشهد تراكمات على مستوى المناهج ومن بين هذه المناهج المنهج  نجد المنهج الاجتماعي و المنهج النفسي و المنهج التاريخي والمنهج البنيوي الذي يعتبر النص بينة مغلقة ونظام من العلامات كما ينطلق من مبدا التركيز على أدبية الآدب والنص وليس على وظيفة الآدب، ويتم في ذلك التركيز على مجموعة من المستويات الصوتية والصرفية والمعجمية والتركيبية والدلالية والرمزية أما في العالم العربي  فلم يظهر المنهج البنيوي إلا في أواخر الستينات وبداية السبعينات من خلال الانفتاح على الثقافة الغربية وقد وجد له اتباع ومناصرين نذكر منهم  محمد مفتاح ،صلاح فضل ، كمال أبو ديب الناقد السوري من مؤلفاته " جدلية الخفاء والتجلي" الذي اقتطف منه هذا النص قيد التحليل.

فما القضية التي يطرحها الناقد ؟ وما الخطوات المعتمدة في التحليل البنيوي؟ وما إمكانات المنهج المعتمد وحدوده؟

II-الملاحظة:
يقدم لنا النص مجموعة من المؤشرات والعتبات لقراءته فهناك العنوان " ثنائية المغلق والمفتوح" المبني على التباين والاختلاف بين مكوناته ثم هناك بداية النص التي يمكن اعتبارها بدايتين الأولى تحديد مادة الاشتغال " أبيات الشاعر أبي محجن الثقفي" والثانية بداية الدراسة النقدية، أضف إلى ذلك مصدر النص الذي يؤكد الثنائية الموجودة في العنوان.
من خلال هذه المنطلقات نفترض ان النص هو مقاربة بنيوية لأبيات الشاعر أبي محجن الثقفي القائمة على مجموعة من الثنائيات الضدية.
III-الفهم:
من خلال قراءتنا للنص نجد الناقد يطرح قضية نقدية مرتبطة بعلاقة المنهج البنيوي بالنص الأدبي  وقد تفرعت هذه القضية إلى عناصر تكشفها فقرات النص فقد استهل الناقد مقاربته بتحديد البنية العامة التي تتحرك فيها الأبيات الشعرية والتي حددها في ثنائيات متعارضة : المغلق ، المفتوح ، المقيد ، المطلق، السكون، الحركة محددا الموضع الذي تشتغل فيه هذه الثنائيات وهو الجملة الاولى من الشطر الأول " كفى حزنا" وقد حدد الناقد صورتين تكشفان عن هذه الثنائيات وهما صورة الخيل وتمثل البعد المفتوح والسجن المقيد فيه الشاعر يمثل البعد المغلق وقد نبه الناقد على أن هذه الثنائيات تتجلى أيضا في البيت الشعري الثاني عندما رغب الشاعر في الحركة والانطلاق التي يقابلها الحصار والسجن، وقد فسر الناقد رغبة الشاعر في رؤية سلاحه وهو في السجن لكونه يريد تحقيق الانفتاح داخليا على صعيد الحس بعدما عجز عن تحقيقه في الواقع كما أكد الناقد على ان هذه الثنائيات يجليها بعد آخر وهو البنية الصوتية وخاصة القافية التي انتهت بألف ممدودة تكشف عن حنين الذات إلى الانطلاق خارج المدار المغلق، أضف إلى ذلك التداخل بين الأصوات الخفيفة والثقيلة والصامتة والصائتة الشديدة والرخوة وقد انتهى الناقد في خاتمة تحليله إلى أن ثنائية المغلق والمفتوح تعمق الحس المأساوي، وتجسد الحنين إلى الانطلاق ،وعبثية المحاولة أمام المدار المغلق.
IV-التحليل:
ومن خلال تحديدنا للعناصر المؤطرة للنص نجد أن الناقد اعتمد في مقاربته للأبيات  الشعرية على المنهج البنيوي معتمدا في ذلك على التدرج والتسلسل حيث ابتدأ الناقد بتحديد مادة الاشتغال " الابيات الشعرية" ثم شرع في دراسة المسنوى  
 المعجمي:وفيه حلل الكلمة نحويا وصرفيا(حزَنا/حزْنا) ثم دلاليا (صورة الخيل/صورة الشاعر)ولغويا (قمت/عناني).
ثم المستوى الصوتي حيث حلل الصوت من حيث المخرج والإيقاع والصفة(المقيد/السلاسة /إطلاق قافية القصيدة)
وهذا التسلسل في المقاربة ينم عن الطريقة الاستقرائية  التي اعتمدها الناقد في التحليل ليخلص إلى حكم عام وهو أن ثنائية المغلق والمفتوح تعمق الحس المأساوي، وتجسد الحنين إلى الانطلاق.  
كما تحضر في النص مصطلحات نقدية تدل على تبني الناقد للمنهج البنيوي من جهة ومن جهة اخرى تأثره بالدراسات اللغوية " اللسانيات" التي تعد الإطار المرجعي مثل: " المكونات الصوتية، التصورات الثنائية، البنية الصوتية، الصوني والصرفي ... كما تخلل النص نفسا حجاجيا يخدم القوة الإقناعية التأثيرية ويحضر هذا الأسلوب من خلال مشيرات التلفظ التي تحضر في  ضمير الغائب " مقيد في سجنه، ممنوع عليه الانطلاق.." الذي يحيل على الشاعر أبي محجن الثقفي ، كما نجد أسلوب التأكيد" إن النداء انفتاح" وأسلوب التفسير" أي أن جسد اللفظة.." وأسلوب الاستدراك" لكنها استخدمت .." كما يحضر الأسلوب الحجاجي من خلال مشيرات التنظيم إذ نجد الشرح والتفسير " شرح مكونات الأبيات الشعرية بنيويا"، ثم المقارنة من خلال المقارنة بين  المكونات الصوتية اللغوية. كما تميز النص بأسلوب تقريري يهدف إلى الإقناع وهذا يتماشى مع طبيعة النص ، فالنص هو نص نقدي وليس نصا إبداعيا إمتاعيا.
كما حقق النص اتساقه تركيبيا عن طريق الوصل بحروف العطف والأسماء الموصولة ودلاليا عن طريق الإحالة القبلية والبعدية والمقامية ومعجميا عن طريق التكرار والتضام.
كما تحقق انسجامنا مع النص بفضل مجموعة من المبادئ فهناك مبدأ السياق : فعند قراءة النص عرفنا أنه نص نثري نقدي يقارب فيه الناقد  الأبيات الشعرية بنيويا وهذا قربنا من النص وجعلنا ننسجم معه .
 ثم مبدأ التأويل المحلي : ويتجلى ذلك من خلال قدرتنا على تأويل ما جاء في النص من مفردات تجمع بينها علاقات جعلتها منسجمة مع بعضها  فمثلا استهلال الشاعر حديثه بالتصورات الثنائية تحيل إلى أن المنهج المعتمد هو المنهج البنيوي..ثم  مبدا التشابه فبقراءة النص نجده يتشابه مع نصوص نقدية أخرى تهتم بالجانب البنيوي في الأدب العربي ،كالتي رأينا في درس النصوص ("بنية التوتر" ، للناقد المغربي محمد مفتاح. كما تحقق انسجامنا مع النص عن طريق مبدا التغريض او التيمية فبقراءة النص نجده يتمحور حول تيمة مركزية تتكرر عبر النص وهي التصورات الثنائية  في الأبيات الشعرية.
وبتتبع مبادئ الانسجام المحصلة نجد أنها تحققت عبر مجموعة من العمليات التي قربت بينا وبين  النص  وأول هذه العمليات المعرفة الخلفية ،من خلال معرفتنا بخصوصيات المنهج البنيوي والمستوبات التي يعتمدها في التحليل والتي تتقاطع مع المعارف التي يقدمها النص مثل (، المعجم ، التركيب، الأصوات، الرتبة الطبيعية ..).
وثاني هذه العميات الخلفية التظيمية المرتبط بتمثلاتنا لأنماط الخطاب التي تمكننا من معرفة مجاله وخلفيته النظرية فالنص دراسة أدبية نقدية تهتم بالنص الأدبي، من حيث الشكل دون التركيز على إحالاته الخارجية.
V- خلاصة تركيبية:
تأسيسا على ما سبق نجد أن الناقد ركز في دراسته النقدية على أبيات الشاعر أبي محجن الثقفي حيث عمد إلى دراسته من الداخل دون التركيز على إحالاته ومرجعياته الخارجية خلافا لما عهدناه عند أصحاب المنهج الاجتماعي الذين يربطون النص الأدبي بالمؤثرات الخارجية لذا نجد الناقد قد اعتمد في دراسته للأبيات الشعرية على  مجموعة من المستويات المعجمي والدلالي والصوتي مسجلا على الأبيات الشعرية بنية ثنائية تتمثل في  الحس المأساوي، الحنين إلى الانطلاق. . كما اعتمد الناقد في عرضه على أسلوب حجاجي يتمظهر في مشيرات التلفظ ومشيرات التنظيم مما حقق مظاهر الاتساق والانسجام وفي الأخير أمكننا تأكيد الفرضية الموضوعة في التحليل أما كرأي شخصي فالمنهج البنيوي من المناهج المتميزة لدراسة الأدب باعتباره ينصرف عن مرجعيات النص ويولي أهمية بالغة لمستوياته البنيوية.


author-img
مدونة مثابر للتربية والتعليم،دروس،تلخيص للمقررات، مراجعة ودعم، كل ما له علاقة بالديداكتيك والبيداغوجيات التربوية،تمارين،امتحانات جهوية و وطنية...

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent